أخر الاخبار

الدوري الاسباني

الرياضة الجزائرية

الأحد، 29 يونيو 2014

الحماية القانونية ضد مخاطر القروض الاستهلاكية

مقدمة

تعد ظاهرة الاستهلاك وانعكاسها على الانتعاش الاقتصادي ونموه أهمية كبرى تفرض ضرورة الحديث عن الشخص المستهدف بالمقتضيات القانونية التي تطبق على العلاقة الاستهلاكية، وبما أن الاستهلاك يرتبط بالحياة اليومية الخاصة بكل فرد، فإن عقد القرض الاستهلاكي الذي يؤطر كيفية التعامل مع بعض المعاملات الاقتصادية بما في ذلك توزيع السلع وتقديم الخدمات، فإنه يعد من أهم العقود التي أصبحت تفرد نفسها على الساحة العملية.
وإذا كان عقد القرض يعتبر من أهم الوسائل الكلاسيكية في التمويل، إذ كان يتم اللجوء إليه لتلبية الحاجة الملحة، وذلك في صورة عقود بسيطة، نظرا لبساطة المتطلبات الاقتصادية والاجتماعية، وعدم وجود أجهزة مختصة بالتعاقد ومنح القروض، وقد تبنا الإسلام هذا النظام – نظام القرض – ونظمه تنظيما محكما يسمح بالاستفادة منه دون الإضرار بكل من الطرفين – مقرض ومقترض -، حيث تم التنصيص على تحريم الربا والتعامل بها بين المسلمين، وذلك مصداقا لقوله تعالى " وأحل الله البيع وحرم الربا"، بالإضافة إلى الحث على تحرير عقد القرض، إذ قال الله تعالى " وإن تداينتم بدين إلى أجل مسمى فكتبوه".
كما أن المشرع المغربي وسيرا على نهج التشريعات المقارنة قام بتنظيم عقد القرض في القانون المدني، والصادر بموجب ظهير 1913، بمثابة قانون الالتزامات والعقود في القسم الخامس من الكتاب الثاني ضمن باب العارية، بمقتضى الفصول من 829 إلى 878، حيث عرفه في الفصل 856 على أنه " عقد بمقتضاه يسلم أحد الطرفين للأخر أشياء مما يستهلك بالاستعمال أو أشياء منقولة أخرى لاستعمالها، بشرط أن يرد المستعير عند انقضاء الأجل المتفق عليه أشياء أخرى مثلها في المقدار والوزن والصفة".
 وإذا كان عقد القرض الاستهلاكي هو في تزايد مستمر نظرا لما يلعبه من دور هام في تمويل المشاريع والاستثمارات وتلبية الاحتياجات الشخصية والأسرية، فإنه لم يعد عقدا بسيطاً بين مقرض ومقترض، بل أضحى مجالا خصبا لفرض مجموعة من الشروط التعسفية على المقترض من طرف المقرض، وهذا يخالف ما جاء به ديننا الحنيف  وكذلك قواعد القانون المدني، بحيث إذا رجعنا إلى المادة 74 من قانون 08-31 نجدها تعرف عقد القرض بأنه " كل عملية قرض ممنوح بعوض أو بالمجان من مقرض إلى مقترض يعتبر مستهلكا (المادة 74) من قانون 31.08. ويرى جانب من الفقه المغربي أن القرض لغة هو القطع، واصطلاحا هو قطع جزء من المال بالإعطاء على أن يرد بعينه أو مثله بدلا منه.
ولئن كانت الغاية من القرض الاستهلاكي تتمثل في إشباع رغبات واحتياجات المستهلك والذي يعتبر مصطلحا اقتصاديا دخيلا على اللغة القانونية، أملته متغيرات شتى، أهمها الرغبة الأكيدة في توفير حماية وخلق نوع من التوازن بين طرفي العقد الاستهلاكي، مما دفع بالمشرع إلى إصدار مجموعة من القوانين التي اعتبرت بداية الاعتراف بالمستهلك وبمجموعة من الحقوق الأساسية، حيث كانت هذه القوانين تهدف بالأساس إلى تقنين العلاقة بين المهنيين والمستهلكين؛ كقانون زجر الغش في البضائع، وقانون حرية الأسعار والمنافسة، والقانون البنكي. غير أن هذه الترسانة القانونية لم تحقق الحماية اللازمة للمستهلك، مما دفع بالمشرع المغربي إلى التدخل وإصدار قانون خاص بحماية المستهلك بتاريخ 7 ابريل 2011، والذي ظل حبيس أدراج الأمانة العامة للحكومة منذ 1988، إلى أن كتب له الخروج إلى  حيز التطبيق سنة 2011.  
وتتمثل أهداف القانون 08-31 القاضي بتحديد تدبير لحماية المستهلك في ضمان حماية للمستهلك فيما يتعلق بالشروط الواردة في العقود الاستهلاكية، إعلام المستهلك، تمثيل مصالح المستهلك والدفاع عنها، وتحديد الشروط والإجراءات المتعلقة بالتعويض، كما تتميز قواعد هذا القانون – قانون 08-31 – بتغليب مبدأ الوقاية على العلاج، وذلك عن طريق حماية قبلية للمستهلك المقترض؛ أي المرحلة السابقة لعملية التعاقد.
ولئن كانت من أبرز الملاحظات التي وجهت إلى قانون 08-31 والتي ارتقت في بعض الأحيان إلى انتقادات من طرف الفقه، هو أن المشرع المغربي أولى المقترض اهتماما كبيرا، إذ يعد القسم السادس المعنون بالاستدانة أكبر قسم في قانون 08-31، وعليه، فإن المشرع جاء من خلال هذا القانون لحماية المقترض من الشروط التعسفية، ومنحه مجموعة من الحقوق في مواجه المقرض كحق الرجوع والعرض المسبق، كل هذا يدفعنا إلى طرح الإشكال التالي: إلى أي حد استطاع المشرع أن يوفر حماية للمقترض من مخاطر القروض الاستهلاكية، وكيف تعامل المشرع على ضوء قانون 08-31 مع هذه الحماية؟
هذا الإشكال تفرعت عنه مجموعة من الأسئلة الفرعية
-      ما هي أسس الحماية التي جاء بها قانون 08-31 لحماية المستهلك المقترض؟
-      وهل هذه الحماية سابقة على عملية التعاقد، أم أن هناك من الأساليب الحمائية الأخرى التي يتم اللجوء إليها أثناء وبعد التعاقد؟
-      ما مدى نجاعة الوسائل التشريعية التي جاء بها قانون 08-31 من أجل توفير حماية للمقترض من مخاطر القروض الاستهلاكية؟
-      هل مجال الحماية في إطار القروض الاستهلاكية يتسع ويضيق من قرض لأخر؟
-      وما هي الأسباب الكامنة وراء جعل المشرع في قانون 08-31 يحيل على قانون المسطرة الجنائية في بعض المساطر؟
ولمعالجة هذا الموضوع ومحاولة الإجابة على هذه الإشكالية وهذه التساؤلات حولنا أن تقسم الموضوع وفق التقسيم التالي:
المبحث الأول: نطاق الحماية من مخاطر القروض الاستهلاكية
المبحث الثاني: آثار الحماية من مخاطر القروض الاستهلاكية









 

المبحث الأول: نطاق الحماية من مخاطر القروض الاستهلاكية

إذا كنا نعلم أن عقد القرض الاستهلاكي يمتاز بانعدام التوازن، وذلك راجع إلى عدم تكافئ مراكز أطرافه المتعاقدة، على اعتبار أن المقرض يوجد في موقع قوة،  والمستهلك المقترض في وضعية الضعف بسبب عدم معرفته لشروط العقد وجهله بمحتواها من جهة، إضافة إلى عدم مناقشتها بحرية من جهة أخرى، مما جعل أغلب التشريعات تتدخل بموجب قوانين منضمة لحماية المستهلك من مخاطر القروض الاستهلاكية؛ نظرا لما أثاره هذا الأخير من اهتمام الباحثين والمختصين في هذا المجال، وذلك راجع لما تعرفه الحياة الاقتصادية من تحول متزايد ومستمر، وذلك نتيجة بروز ظاهرة العولمة التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من حياة الإنسان، مما يطرح سؤال، ما هي أوجه الحماية التي جاء بها قانون حماية المستهلك فيما يخص القروض الاستهلاكية، وهل يمكننا الحديد على ضوء قانون 08-31  عن حماية مدنية (المطلب الأول) ثم الحماية الجنائية (المطلب الثاني).

المطلب الأول: أساس الحماية المدنية

 عرفت القروض الاستهلاكية في المغرب تطورا كبيرا خلال السنوات الأخيرة، والملاحظ أن المشرع المغربي لم يواكب هذه التطورات، على اعتبار أن المقتضيات المنظمة لعقد القرض في قانون الالتزامات والعقود ظلت قاصرة عن توفير حماية كافية ولازمة للمستهلك المقترض في ظل تنامي الإغراءات ألا متناهية من طرف المهنيين، إلا مع صدور قانون 08-31 القاضي بتدبير حماية المستهلك، لذلك تدخل المشرع بموجد قوانين لحماية المستهلك ووقاية هذا الأخير في إطار العلاقة التعاقدية باعتباره مقترضا، حيث يتجلى ذلك بالأساس في إقرار الحماية السابقة على التعاقد (الفقرة الأولى) إلى جانب الحماية أثناء التعاقد (الفقرة الثانية).




الفقرة الأولى: الحماية قبل التعاقد

إذا كانت الحماية التقليدية لا تظهر إلا في تاريخ لاحق على الواقعة أو التصرف القانوني تحت شكل الجزاء القضائي للمسئولية أو البطلان، فإن المشرع في القانون المنظم لحماية المستهلك أراد أن يحل محلها حماية سابقة على التعاقد.  هذه الحماية تتجلى أساسا في الالتزام بالإعلام (أولا)، والعرض المسبق(ثانيا).
أولا: الالتزام بالإعلام: فيما يخص هذا الأخير - الالتزام بالإعلام-، فإنه التزام يقع على عاتق المورد أو مقدم الخدمة، حيث يعتبر من أهم الآليات الحمائية التي جاء بها قانون 08-31 لصالح المستهلك، حيث تتجلى أهمية هذا الالتزام بالنسبة للمقترض في حمايته من تعسف المقرض، ومن خطر المديونية المفرطة والتوقف عن الأداء، وكيفما كانت طرق الإعلام، فإنه يشترط أن تكون المعلومات المقدمة صحيحة وصادقة وموضوعية. والالتزام بالإعلام إما أن يكون في شقه الايجابي أو في شقه السلبي.
فيما يحص الالتزام الإيجابي فإنه لكي يحقق غايته يجب أن تتوفر فيه مجموعة من الشروط أهمها:
أن يكون الإعلام حقيقيا وشاملا، بحيث يجب أن يقدم المهني معلومات صادقة وأمينة إلى المستهلك المقترض، وأن تكون هذه المعلومات شاملة لجميع المراحل التعاقدية، كما أن المشرع أوكل إلى جمعيات حماية المستهلك قيام بإعلام المستهلكين (المادة 152 من قانون 31.08) ، فالجمعيات العامة في هذا المجال تقوم بإعلام المستهلك فيما هو مقدم عليه من تعاقد، وخاصة في إطار العقود الاستهلاكية، حيث تقوم بتنوير المقترض بكل الالتزامات والتحملات، كسعر الفائدة مثلا والذي يعتبر من أهم أسباب التوقف عن الدفع.  هذا الأخير يعتبر من أخطر المسائل التي تشكل عبء على المستهلك المقترض، ذلك وبحكم حاجته – مرض، سفر، شراء – يجد نفسه مضطرا للاستدانة من أجل تحقيق هذه الحاجة الأمر الذي يجعله عرضة لتلاعب البنوك ومؤسسات الائتمان وجشعها للربح، لكل السؤال المطروح هو على أي مصدر يستمد عقد القرض مشروعيته فيما يحص أساس التعامل بالفائدة؟
تستمد عملية القرض مشروعيتها عند جمهور الفقهاء من السنة، ومن اتفاق الفقه حوله، أما بخصوص أساس الفائدة على القروض، فإننا لن نتطرق إلى النقاشات الفقهية الدائرة حول مدى ربوية الفائدة البنكية، تاركين الأمر في هذا المجال إلى فقهاء الشريعة الإسلامية والقانون وذلك راجع بالأساس إلى وفرة الدراسات المتخصصة في ذلك. للتوسع في هذا المر، راجع عائشة الشرقاوي المالقي، المرجع السابق، ص 360.
كما أن هناك من يميز بين التعامل بالفائدة والقرض، حيث هناك كم اعتبرها مجرد تعويض، وهذا ما ذهب إليه المجلس الأعلى في قرار له بتاريخ 13 مارس 1991، ملف تجاري عدد 1056/89، والذي جاء في حيثياته " وحيث أن الفائدة المحرمة بين المسلمين بمقتضى نص الفصل 870 من قانون الالتزامات والعقود هي الفائدة الاتفاقية المترتبة عن القرض وليس الفائدة القانونية المترتبة من التأخير والتي تعتبر تعويضا عنه".
 وبالرجوع إلى الفصل 870 من قانون الالتزامات والعقود نجده ينص على أن "اشتراط الفائدة بين المسلمين باطل ومبطل للعقد الذي يتضمنه سواء جاء صريحا أو اتخذ شكل هدية أو أي نفع أخر للمقرض أو لأي شخص آخر غيره يتخذه وسيطا له"، في حين أن هذا الفصل يخضع لاستثناء يقلص من مداه، وهو ما نص عليه الفصل 871 من نفس القانون، حيث يجيز للتجار التعامل بالفائدة، إلا أن ما يلاحظ كما قال أستاذنا عبد القادر العرعاري في مداخلة له في الندوة الملقات يوم 11 و 12/12/2013 بحلية الحقوق بسلا بمناسبة إحياء الذكرى المئوية لقانون الالتزامات والعقود، حيث قال أن هذا الفصل – أي الفصل 870 – قد ولد ميتا من الأصل، لان المجتمع المغربي يطغى عليه الطابع اللبرالي.
ü    يجب أن يكون نزيها ومحايدا؛ إذ لابد وأن يتضمن معلومات دقيقة عن المنتوج أو الخدمة، تقدمها جهة مستقلة مكلفة بالتوجيه والإعلام، سواء داخل المقاولة نفسها أو من مراكز الأبحاث المستقلة. فالمقرض ملزم بإعلام المقترض بكل بنود العقد وشروطه من مبلغ القرض والأقساط وتريخ تسديدها والسعر الحقيقي للفائدة، والتي تعد من أهم التحملات التي تثقل كاهل المقترض خاصة إذا كانت مرتفعة ولم يتلقى بشأنها الإعلام اللازم، فاغلب حالات التوقف عن أداء القروض الاستهلاكية راجع إلى ارتفاع أسعار الفائدة.
أما فيما يخص الالتزام السلبي بالإعلام، فإنه من الأهمية بمكان الإشارة  إلى أن الوظيفة الأساسية في الإعلام تكمن في توفير المعلومات الضرورية المتعلقة بالسلعة أو الخدمة. وإذا كان إشهار الخدمة أو الخدمات أحد وسائل الإعلام المستهلكين، فإنه يشترط أن يكون صادقا وموضوعيا خاصة وأنه أصبح من أهم الوسائل المتبعة للتعريف بالخدمة أو السلعة وبيان خصائصها (المادة 76 من قانون 31.08).
ونظرا لما يكتسيه الإشهار من أهمية بالغة في مجال القروض الاستهلاكية، فإن المشرع المغربي قد نص في المادة 76 من قانون 08-31 على أن الإشهار يجب أن يكون نزيها وإخباريا، وحتى يؤدي وظيفته الإخبارية، فإنه يجب أن تتوفر فيه مجموعة من البيانات الأساسية المتعلقة بالمقرض ومبلغ التسديدات بالدرهم عن كل استحقاق أو وسيلة تحديده، وعدد الأقساط المستحقة، كما نص على أن المعلومات الواردة في كل إشهار مكتوب يجب أن تكون مكتوبة بحروف لا يقل حجمها عن الحجم المستعمل للإشارة إلى مميزات التمويل (المادة 76 من قانون 31.08).
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أنه بالإضافة إلى منع الإشارة إلى إمكانية منح القرض دون طلب معلومات تكمن في تقييم وضعية المقترض المالية، وهذه البيانات يجب أن تقدم للمقترض بصورة مقروءة ومفهومة بالنسبة إليه حتى تتحقق الغاية التي يبتغيها المشرع من هذا المقتضى، ألا وهي تبصير رضا المقترض وحمايته من الإشهار الكاذب والمضلل، وهو ما سيشكل له لا محالة وقاية من التوقف عن أداء أقساط القرض.
ثانيا: العرض المسبق ومهلة التفكير: لئن كان لإبرام عملية قرض استهلاكي يستلزم إجراء تقنية العرض المسبق حتى يتمكن المقترض من التعرف بدقة على بنود العقد ومما يتضمنه من شروط، خاصة وأن معظم هذه العقود هي من العقود النموذجية، والتي تعد سلفا من قبل المؤسسة المقرضة لتحقيق نوع من السرعة وتضمينها ما شاءت من الشروط. وإذا كان المشرع المغربي في المادة 77 من قانون 08-31 يقضي بتدابير لحماية المستهلك على ضرورة اعتماد تقنية العرض المسبق قبل كل عملية قرض منصوص عليها في المادة 74 من نفس القانون (المادة 74 من قانون 31.08.
ومهما يكن من أمر، فإن العرض المسبق يعتبر بمثابة اقتراح عقدي كامل بمقتضاه يكفي إلحاق إذعان الموجه إليه العرض به حتى يمكن اعتبار العقد ابرم، كما أن العرض المسبق على وجه العموم غير قابل للرجوع فيه طوال المهلة المحددة أو أثناء المدة المعقولة.
وإذا كان للعرض المسبق أهمية، حيث يعد عقدا تمهيديا أو نموذجا مستقبليا للعقد النهائي، فقد صار إلزاميا على المقرض أن يشير فيه بشكل واضح ومقروء غلى مجموعة من البيانات؛ كهوية الأطراف ومبلغ القرض وأقساطه وموضوع التعاقد والتامين في حالة اشتراطه، وغيرها من البيانات التي جاء التنصيص عليها في المادة 78 من قانون 08-31، مع ضرورة منح المقترض نسخة من الشروط العامة للتأمين والفوائد والمصاريف مع التمييز بين تلك المتعلقة بالملف أو الناتجة عن الاستحقاقات مع الإشارة إلى حق المقرض في قبول أو رفض طلب القرض، وإلا اعتبر العرض نهائيا والعقد تاما فور قبول المقترض حسب منطوق المادة 85.
كما ألزم القانون المقرض بالإشارة إلى عروضه المسبقة إلى بيانات إضافية، فبالنسبة لعقد فتح اعتماد تجب الإشارة فيه إضافة إلى ما سبق بكون مدته هي سنة قابلة للتجديد بشروط يحددها المقرض قبل انتهاء مدته بثلاثة أشهر، وللمقترض حق التعرض عليها (المادة 79 من قانون 31.08). وفي حالة ما إذا سلم المقترض قرضا دون عرض مسبق مستوفي لكافته البيانات، فانه يفقد حقه في استحقاق الفوائد، وإذا كان قد استخلصها فهو ملزم بردها أو خصمها من الرأسمال المتبقي(المادة 89 من قانون 31.08).
ومهما يكن من أمر، فإن المشرع المغربي بنصه ضمن قانون 08-31 على كيفية صياغة العرض المسبق والمدة التي يجب أن يبقى خلالها ساري المفعول، يكون قد تدخل لوقاية المقترض من التوقيع على عقد جاهل لمحتواه.
أما فيما يحص مهلة التفكير السابقة على التعاقد، فإن المشرع المغربي بتطلبه لضرورة منح عرض مسبق للمقترض في مجال القروض الاستهلاكية، والإبقاء على هذا العرض لفترة محددة أراد أن يعطي المتعاقد – المقترض – مهلة للتفكير من أجل اتخاذ القرار المناسب، لأن الهدف من وراء مهلة التفكير هي إلزام المقرض بالإبقاء على عرضه لفترة معينه حددها القانون الاستهلاكي المغربي في  سبعة أيام، وذلك من أجل تمكين المقترض التفكير السليم بشأن العرض المسبق ومضمونه، والتشاور في شانه، وما إذا كان سيلبي حاجياته أم انه سيزيد من أعبائه المالية، كما أن هذه المهلة تسمح للمقترض بالاطلاع على مجموعة من العروض واختيار الأنسب إليه، وهو ما يقي المقترض من قبول قرض بشرط مجحفة في حقه وبأعباء وتكاليف لا يقدر على تحملها.

الفقرة الثانية: الحماية أثناء التعاقد

لقد عرفت المجتمعات البشرية في الفترة الأخيرة تطورا اقتصاديا واجتماعيا ذلك راجع إلى الثورة الصناعية و التطور التكنولوجي مما جعل المجال التعاقدي في إطار مبدأ سلطان الإرادة محل نقاش هذا الأخير عرف اضمحلال و تراجع بشكل ملحوظ ،كل هذا أدى إلى ظهور ما يعرف بالعقود الاستهلاكية و التي أصبحت مجال خصبا للعقود الاستهلاكية، حيث انفرد المهني لتحديدها وفق مصالحه على نحو لا يستطيع معه المستهلك أن يأخذ حذره منها، على اعتبار أنه هو الطرف الضعيف في المعادلة و هو ما جعل جل التشريعات الاستهلاكية تتدخل لحماية المستهلك من خلال إقرار مجموعة من التدابير اللاحقة على تكوين العقد- القرض الاستهلاكي -  والتي تكمن في حق التراجع (أولا)، والحماية من الشروط التعسفية (ثانيا).
أولا: الحق في التراجع: يعد الحق في التراجع آلية من آليات الحماية التي اقرها المشرع المغربي في قانون 08-31 في مجال القروض الاستهلاكية، بحيث تمنح مهلة للمقترض بعد الاطلاع على العرض المقدم من المقرض بغاية حماية المستهلك حتى يتعاقد عن بينة، وذلك خلال المرحلة السابقة عن التوقيع، حيث يكرس حق الرجوع عن التعاقد؛ أي قدرة المتعاقد على إبرام العقد على المفاضلة أو الاختيار بين إمضائه أو الرجوع فيه، على اعتبار أنه وسيلة بمقتضاها يسمح المشرع لأحد المتعاقدين بأن يعيد النظر من جديد ومن جانب واحد في الالتزام الذي ارتبط به مسبقا، فثمة عقد سبق تكوينه وموقع من قبل الأطراف، لكن أحد الأطراف – المستهلك المقترض- سوف يستفيد من مهلة التفكير والتي من خلالها يمكن تفعيل حقه في الرجوع عن الالتزام الذي أبرمه.
ومن الأهمية بمكان أن نشير أن المقترض لكي يستفيد من ممارسة هذا الحق – الحق في التراجع- لابد من توفر مجموعة من الشكليات والشروط المحددة في المادة 85 من قانون 08-31، حيث يمكن إجمال هذه الشروط فيما يلي:
ü    يجب أن يمارس الحق في التراجع داخل أجل 7 أيام تحتسب من تاريخ قبوله للعرض.
ü    إرفاق العرض المسبق باستمارة قابلة للاقتطاع من طرف المستهلك.
ü    إلزامية إيداع استمارة مقابل وصل يحمل طابع وتوقيع المقرض.
وفي الحالة التي ينص العرض على أن المقرض يحتفظ لنفسه بحق قبول أو رفض طلب القرض المقدم من المقترض، فإن العقد الذي قبله هذا الأخير لا يصبح تاما إلا بتوفر الشرطين التالين (المادة 86 من قانون 31.08):
ü    أن يكون المقرض قد أبلغ المقترض قراره بمنح القرض.
ü    أن لا يكون المقترض قد مارس الحق في التراجع.
ومهما يكن من أمر، فإنه لا يجوز للمقترض باتفاق مع المقرض أن يتنازل عن حق الرجوع أو يقلص من أجله أو الاتفاق على إسقاطه لكونه يعتبر من النظام العام وذلك بصريح نص المادة 151.
ثانيا: الحماية من الشروط التعسفية: إذا كان الأصل في إبرام العقود أن تتم بشكل رضائي في إطار المساومة والمفاوضة؛ بحيث يحاول كل طرف من المتعاقدين أن يفرض أفضل الشروط بالنسبة إليه، لكن الأمر يختلف في القروض الاستهلاكية، نظرا للنشاط المتزايد في الحياة الاقتصادية، والتفاوت المحسوس للطرفين، مما جعل الموجب ينفرد بوضع شروط العقد، ولا يقبل أي مناقشة بشأنها، من هنا وجد ما يسمى بعقود الإذعان.
ولئن كان القرض الاستهلاكي يعد عقد إذعان بامتياز، حيث يعتبر مجال رحب للشروط التعسفية، إذ أن الحاجة الملحة والضرورية للمقترض تجعله يذعن لرغبة المقرض وشروطه المجحفة، وهو ما يعرض مصالحه للخطر، مما جعل المشرع المغربي يقر له حماية حتى يكون هناك نوع من التوازن في عقد القرض الاستهلاكي فيما يخص الشروط التعسفية، وهذا ما أكده القضاء المغربي في العديد من الأحكام الصادرة عنه، حيث جاء في حيثيات الحكم " أن عقد القرض نص على فوائد اتفاقية بنسبة 17% سنويا، وان المحكمة بما لها من سلطة تقديرية في تعديل التعويض الاتفاقي طبقا للفصل 264 من قانون الالتزامات والعقود ترتئي تخفيض نسبة الفوائد المذكورة من 17 إلى 17% سنويا، ابتداء من تاريخ ...."
ومهما يكن من أمر فإن الشرط التعسفي ينبني أساسا على عنصرين؛ هما: العنصر الاقتصادي، والعنصر القانوني، حيث يتمثل الأول في القوة الاقتصادية،  على اعتبار أن المهني يستخدم قوته الاقتصادية والقانونية الناتجة عن خبرته بالعملية التعاقدية والتي تمكنه من فرض شروط على الطرف الضعيف – المقترض – في قالب عقود نموذجية معدة سلفا، لا يمكن التفاوض بشأنها، غير أن هذا المعيار محل نظر عند بعض الفقه، والذي يرى بان القوة  غالبا ما تكمن في السيطرة الفنية والتقنية أكثر من القوة الاقتصادية.
أما فيما يخص العنصر الثاني، والمتمثل في الميزة الفاحشة، وهي عدم التوازن بين الالتزامات المترتبة على العقد، سواء عن طريق المبالغة في تعداد الالتزامات الملقاة على عاتق المقترض أو عن طريق التخفيف من التزامات المهني، وقد تكون ذات طابع مالي، وقد تشمل أشياء أخرى كجوهر الشيء وتسليمه وتنفيذ العقد وفسخه وإبطاله.
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن ما يلاحظ في وقتنا الحاضر أن معظم العقود الاستهلاكية تتضمن بنودا نعسفية لحساب المقرض، وذلك راجع إلى مكانته الاقتصادية، وحاجة المقترض وجهله بهذه البنود، والتي تمكن المقرض من الحصول على امتيازات هامة. وقد شملت الشروط التعسفية كل أنواع العقود الاستهلاكية، خاصة في مجال القروض، إذ أضحت تظهر في جميع مراحل العملية التعاقدية انطلاقا من إبرام العقد إلى حين تنفيذه وانتهائه، وإذا كان عقد القرض الاستهلاكي يعتبر عقدا نموذجيا أو عقد إذعان لكونه يشكل مجالا واسعا لفرض البنود التعسفية، ومن بين أكثر هذه البنود حضورا نجد:
ü     شرط الانتقاء التحكمى للزبناء؛ اذ تحتفظ المؤسسة المقرضة لنفسها بالحق في قبول القرض أو رفضه، خاصة وأنه لا يوجد نص قانوني يلزم هذه المؤسسة بمنح القرض لأي زبون، فالعلاقة بين هذه المؤسسات والزبناء غالبا ما تقوم على الاعتبار الشخصي.
ü    عدم منح مهلة للتفكير والتروي؛ حيث أن المقرض يحرم المقترض من مهلة التفكير والاطلاع على شروط العقد، والذي يتم تحريره سلفا من قبل المقرض وحده، مما يجعل المقترض يوقع على عقد يجهل محتواه.
ü    الشروط التعسفية المرتبط بالتقاضي أو المطالبة بالحق، ففي جل عقود القرض الاستهلاكي يقوم المقرض بتحديد المحكمة المختصة حالة وقوع نزاع، بحيث غالبا ما تكون المحكمة بعيدة عن موطن المقترض، وهذا يشكل خرقا لقواعد الاختصاص المكاني التي تقضي بأن الدعوى تبارشر في موطن المدعى عليه.
ü    الشرط الذي يمكن المقرض إمكانية انتهاء العقد بصورة منفردة.
ü    الشرط الذي يلزم المقترض إلى تضمين بنود مجحفة في وثائق ملحقة بالعقد الأصلي.
وللحد من انتشار هذه الشروط والخطر الذي تحدقه بالمقترض، فقد تدخل المشرع المغربي في قانون 08-31 حيث نص في المادة 18 منه على لائحة بأهم الشروط التعسفية وأكثرها شيوعا، وذلك من أجل تحقيق اكبر قدر ممكن من الحماية، إضافة إلى ذلك فان هذا القانون – قانون 08-31 – قد استحدث هيئة أطلق عليها اسم " الجامعة الوطنية للدفاع عن حقوق المستهلكين"، وأدرج من ضمن مهامها مطالبة المحكمة بان تأمر عند الاقتضاء بحذف شرط غير مشروع أو تعسفي، وهو ما نصت عليه المادة 162 من قانون 08-31.
والى جانب هذه الحماية التشريعية، فان هناك حماية قضائية متمثلة في أن القاضي يقوم تلقائيا بإبطال أي شرط يعتبر تعسفيا، وذلك لأن هذه الشروط تعتبر من النظام العام، والجدير بالذكر أن بطلان الشرط التعسفي لا يؤدي إلى بطلان الالتزام ككل إلا إذا لم يكن بإمكان العقد أن يبقى قائما بدون الشرط المذكور في العقد، لأنه غالبا ما يكون المقترض في حاجة ماسة لهذا العقد.

المطلب الثاني: أساس الحماية الجنائية

لقد أحاط المشرع المغربي المستهلك بمقتضيات حمائية من خلال تشريعات متفرقة و متناثرة؛ حيث تتجلى الحماية الجنائية للمستهلك في صيانة حقوقه الأساسية وإحاطتها بجزاءات جنائية، غير أن القوانين التي سبقت قانون حماية المستهلك تميزت بمحدودية الجانب الردعي فيها وعدم إحاطتها بالأخطار الجديدة التي تهدد المستهلك وتضخيمها لحقوق المهني على حساب حقوقه، سواء في نطاق الأسعار أو في نطاق الجودة. وقوانين الاستهلاك غير ذات مقتضيات جنائية في الأصل، و بالتالي فإن التجريم يحدد في نص سابق و العقوبة في نص لاحق، و تبقى تقنية الإحالة الوسيلة الوحيدة للربط بين التجريم و العقاب نظرا لخصوصية هذه الجرائم التي فرضت الخروج أحيانا عن الأحكام العامة على مستوى التجريم ( الفقرة الأولى) ،كما أنها تفرض ملائمة العقوبة تبعا لظروف مرتكب الجريمة إعمالا لفلسفة تفريد العقاب ( الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : على مستوى التجريم

 فبالرجوع إلى قانون 08-31، نجد المشرع المغربي في المادة 187 قد جرم المقرض الذي يغفل التقيد بالإجراءات المقررة في المواد من 77 إلى 83 الواردة بالفصل الثاني من الباب الأول من القسم السادس، و المتعلقة بالإشهار، فيفترض في المقرض علمه بتلك الإجراءات، ولا يهم بعد ذلك سوء أو حسن نيته. و يعتبر هذا التوجه الحمائي المتمثل في عدم تطلب الركن المعنوي استجابة طبيعية لحساسية النظام العام الاقتصادي الذي يقتضي منتهى اليقظة في مراعاته و إغلاق السبل للمساس به، وإلا تعذر تنفيذ السياسة الاقتصادية الرامية إلى حماية حقوق الطرف الضعيف في عقود الاستهلاك (المادة 187 من قانون 31.08).
فبالرجوع إلى المادة السالفة الذكر – المادة 187 من قانون 08-31 -، نجد المشرع المغربي قد جرم مجموعة من الأفعال واعتبرها جرائم، وذلك بصريح نص المادة المذكورة، حيث أحال على المواد من 77 إلى 83 من نفس القانون، وبالرجوع إلى هذه المواد نجد المشرع المغربي قد ألزم المقرض بمجموعة من الشروط التي يجب أن تتضمن العرض المسبق، هذا الأخير يجب أن يكون مقدم بصورة واضحة ومقروءة، وأن يشير إلى هوية الأطراف، وإلى الكفيل إن اقتضى الحال كما يجب أن يحدد مبلغ القرض وعند الاقتضاء أقساطه المستحقة، وطبيعة موضوع العقد وكيفية إبرامه (المواد من 77 إلى 83 من قانون 31.08).
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن المشرع المغربي في قانون 08-31 قد ألزم المقرض أيضاً أن يبين في عقد القرض المسبق السلعة أو المنتوج أو الخدمة التي سيتم تمويلها، كما يجب تبييين الأحكام المطبقة في حالة تسديد المبكر أو توقف المقترض على الأداء، كل هذه الأفعال اعتبرها المشرع جرائم إذا قام المقرض بمخالفتها لأنها تدخل في دائرة الحماية التي أولاها المشرع للمقترض باعتباره طرفا ضعيفاً.
كما أن المشرع قد اعتبر جرائم، وذلك بصريح الفقرة الثانية من المادة 187، الإشهار غير المطابق لأحكام المادتين 76 و 101، بحيث إذا رجعنا إلى مقتضيات هذه المواد نجد على أن الإشهار يجب أن يكون نزيها وإخباريا، كما ينبغي أن يتضمن هوية المقرض و عنوانه، وإذا تعلق الأمر بشخص معنوي فعنوان مقره الاجتماعي، وطبيعة العملية المقترحة، والغرض منها ومدتها وكذا التكلفة الإجمالية، وكذا مبلغ التسديدات عن كل استحقاق بالدرهم (المواد من 76 إلى 101 من قانون 31.08).
كما أن من بين الآليات الحمائية التي جاء بها المشرع، والتي تعد غاية في الأهمية بالنسبة للمقترض، بحيث ألزم المشرع على المقرض أن تكون المعلومات الواردة في كل إشهار مكتوب، مكتوبة بحروف لا يقل حجمها على الحجم المستعمل للإشارة إلى كل معلومة أخرى تتعلق بمميزات التمويل ومدرجة في النص الإشهاري؛ بحيث اعتبر المشرع أن هذا الفعل جريمة قائمة في حالة عدم التقيد بمقتضيات المادة 76 من فقرتها الخامسة.
وبالرجوع إلى مقتضيات المادة 101 نجد المشرع قد ألزم المقرض في كل إشهار يتضمن عبارة قرض مجاني أن يشير إليه بشكل صريح، وذلك إذا كان الأمر يتعلق بكل منتوج، أو سلعة أو خدمة على حدة، حيث اعتبر المشرع على أنه في الحالة التي لا يلتزم فيها المقرض تجاه المقترض بمقتضيات المادة المذكورة اعتبرها جريمة وذلك وفق الفقرة الثانية من المادة 187.
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن المشرع المغربي قد ألزم المقرض في المادة 92 تجاه المقترض بأن يبين في عقد القرض الثمن، والتعريفة وذلك بشكل كلي أو جزئي حسب الأحوال، بحيث اعتبر المشرع أن عدم التقيد بهذا المقتضى يعد جريمة يعاقب عليها بمقتضى الفقرة الأخير من المادة 187.
ومهما يكن من أمر، فإنه بالرجوع إلى مقتضيات المادة 188 نجد المشرع قد ألزم المقرض على ألا يحمل المستهلك المقترض على توقيع عرض، أو عدة عروض مسبقة، إذا كان مجموع مبلغ هذه العروض من حيث رأس المال يفوق القيمة المؤداة لكل من المنتوج أو السلعة المشترات أو الخدمة المقدمة؛ حيث اعتبرها جريمة قائمة وذلك بصريح نص المادة المذكورة.
 كما أنه في الحالة التي يقوم المقرض بتسجيل أسماء الأشخاص الممارسين لحق التراجع أو يعمل على تسجيلها في سجل معين، على اعتبار أن هذا الأمر مخالف لمقتضيات المادة 85 في الفقرة الثالثة منه، حيث اعتبره المشرع جريمة قائمة في حالة قيام المقترض بهذا الفعل، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على الحماية التي أولاها المشرع للمقترض باعتباره طرفا ضعيفا في الخصومة.
كما أنه بالرجوع إلى الفقرة الثالثة من المادة 188 نجد المشرع قد ألزم كل من المقرض و المقترض بعدم أداء أي مبلغ من المبالغ ما لم يكن هناك عقد قرض نهائي، بحيث اعتبر المشرع هذه الأمر في حالة مخالفته جريمة معاقب عليها، وهذا ما أكدته كل من المادتين 87 و 99، كما أن المشرع المغربي جعل من ضمن الجرائم الشخص – المقرض- الذي يحمل المقترض عل تسليم شيك أو توقيع أوراق تجارية أو قبولها أو ضمانها احتياطيا.

الفقرة الثانية : على مستوى العقاب

يتجه المشرع إلى إضفاء نوع من المرونة على الطابع الزجري في قانون حماية المستهلك، حيث نجد أغلب العقوبات جاءت من حيث المبدأ في شكل غرامات، ولم يقرر العقوبة الحبسية إلا بمناسبة المادتين 183 و 184 من قانون حماية المستهلك، كما أنه ينحو نحو تغليظ العقوبة كلما تعلق الأمر بالأشخاص المعنوية هذا من جهة.
 ومن جهة أخرى، فإنه ألزم المحكمة بموجب المادة 175 بنشر الحكم أو تعليق المقرر القضائي أو بهما معا في حالة الإدانة، في حين أجاز ذلك أحيانا أخرى فقط، وبالإضافة إلى مظاهر التفريد هذه التي تتفق وطبيعة الأشخاص المرتكبين لهذه الجرائم - ذوي الياقات البيضاء -، فإنه قرر ظروف التشديد في بعض الحالات والتي لها علاقة بالمقرض، بالإضافة إلى حالات العود و التي خرج في بعضها عن المعهود في القواعد العامة.
فبالنسبة لظروف التشديد نجد المشرع المغربي في مجال القروض الاستهلاكية لم ينحى هذا النهج إلا عند حديثه عن جنحة استغلال ضعف المستهلك – المقترض – وجهله، حيث عاقب المشرع المغربي على هذه الجنحة بعقوبة الحبس من شهر إلى خمس سنوات وغرامة من 1.200 إلى 50000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، وذلك دون الإخلال بمقتضيات أحكام الفصل 552 من مجموعة القانون الجنائي. واعتبر المشرع المغربي ظرفا مشددا إذا كان المخالف شخصا معنويا، حيث عاقبه بغرامة تتراوح ما بين 50.000 و 1.000.000 درهم، دون الإخلال بالعقوبات الأشد، يعاقب بغرامة من 50.000 إلى 200.000 درهم.
أما فيما يخص حالة العود، فإن المشرع المغربي في قانون 31.08، فإنه اعتبر في مواد متعددة - المادة 177 178 182- انه يعتبر في حالة عود من يرتكب مخالفة داخل أجل الخمس سنوات الموالية لصدور حكم حائز على قوة الشيء المقضي به من أجل أفعال مماثلة، فهو يشترط التماثل أي أن تكون الأفعال المرتكبة داخلة في نطاق الفصل المنظم لحالة العود، إلا أن الملاحظ هو أن المقرض لم يخصص له المشرع نصا صريحا يعتبره في حالة عود.

المبحث الثاني: آثار الحماية من مخاطر القروض الاستهلاكية

إن الحماية من مخاطر القروض الاستهلاكية لا يجب أن تنصب فقط على الجانب الموضوعي فقط وإنما على الجانب الإجرائي أيضا على اعتبار أن المستهلك المقترض يجد نفسه أمام مجموعة من الإجراءات التي قد لا تؤدي الهدف المتوخى منها على الشكل الذي يجب أن تكون عليه، وذلك راجع إلى دقتها من جهة، وتشعبها من جهة أخرى ( المطلب الثاني)، على أن نتحدث عن الصعوبات التي قد تعتري المدين وتحول دون أداء الالتزامات الوجبة عليه قانونيا مما يدفعه إلى الاستنجاد بالقضاء لكي يستفيد من المهلة القضائية (المطلب الأول).

المطلب الأول: الحماية في إطار المهلة القضائية

إذا كان الأصل المهيمن في القروض الاستهلاكية هو أن العقد شريعة المتعاقدين، بحيث يعطى لمبدأ سلطان الإرادة والقوة الملزمة للعقد الأهمية الكبرى لتنفيذ العقد الاستهلاكي بين المقترض المستهلك والمقرض المورد، فإنه أحيانا وكما يقال تذهب الرياح بما لا يشتهي المقترض المستهلك بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تجعله غير قادر على الوفاء بالتزاماته، مما خول للمشرع المغربي إعطاء القاضي في إطار سلطته التقديرية التدخل لمنح المدين مهلة استرحامية.
ويمكن تعريف المهلة القضائية بكونها إعفاء المدين من الوفاء بالتزاماته في الأجل المضروب للوفاء، ومنحه آجالا جديدا يسدد فيه الدين إن اقتضت ظروفه، ولم يلحق الدائن ضررا من جراء هذا التأجيل، وعرفها البعض الأخر بأنها الأجل الممنوح من القضاء للمدين الذي استحق دينه، وأصبح خاضعا لملاحقة دائنه.
وتجدر الإشارة على أنه رغم اختلاف التسميات التي أطلقت من طرف الفقه على هذه المهلة، فهناك من يسميها المهلة استرحامية، أو مهلة الميسرة، أو نظرة لميسرة، إلا أن الهدف من إقرارها يبقى واحد، وهو إعطاء للمدين مهلة قضائية لتسديد القرض في أجل محدد قضائيا، ونجد أن المشرع المغربي نظم "الإمهال القضائي" في المادة 149 من قانون 08-31، ولتفعيل هاته المهلة الاسترحامية لا بد من توفر مجموعة من الشروط والمتمثلة في:
ü    أن لا يصيب الدائن المقرض بسبب منح المهلة القضائية ضرر جسيم؛ حيث أشار المشرع الفرنسي إلى ضرورة مراعاة حاجة الدائن إلى الدين، وهذا ما لم نجده عند المشرع المغربي، لكن هناك من الفقه كالأستاذ محمد الكشبور الذي يرى أن هذا الشرط مستفاد من مطالبة المشرع قاضي الميسرة باستعمال سلطته التقديرية في نطاق ضيق، آخذا بعين الاعتبار عند البث في طلب المدين أن لا يصاب الدائن بضرر جسيم من جراء الإمهال.  
ü    حسن نية المدين المقترض والذي نص عليه المشرع في الفصل 231 من قانون الالتزامات والعقود، والذي يقضي بأن "كل تعهد يجب أن ينفذ بحسن نية"، إذ أن عدم وفاء المقترض يجب أن يكون غير متعمد، ولكنه خارج عن إرادته.
ü    أن تستدعي حالة المدين منحه المهلة القضائية، إذ يجب مراعاة الظروف الاجتماعية والاقتصادية للمقترض، وما إذا كانت هذه الظروف تستوجب إمهاله أم لا، وهذا ما أكدته المحكمة الابتدائية بمكناس في حكم لها والذي جاء في حيثياته ما يلي " وحيث أن لما كان توقيف المدعي عن العمل حالة اجتماعية غير متوقعة، فإنه يتعين تطبيقا للمقتضى أعلاه – الفقرة الثانية من الفصل 243 من قانون الالتزامات والعقود – أقاف التزاماته الناتجة عن عقد القرض الذي يربطه مع المدعى عليه".
ü    أن يكون الأجل الممنوح معقولا، إذ نجد المشرع الفرنسي قد قام بتحديد المدة القصوى للإمهال في سنتين وهذا ما كرسه المشرع المغربي في قانون 08-31 في المادة 149.
ومن الأهمية بمكان أن نشير إلى أن المشرع المغربي أعطى للمقترض في حالة نشوء نزاع في شأن تنفيذ العقد الأصلي للبيع أو تقديم الخدمة، أنه يجوز لقاضي المستعجلات أن يأمر بوقف تنفيذ عقد القرض، الى ان يتم الفصل في النزاع.
وعند إبطال أو فسخ العقد الأصلي محل النزاع بحكم أنه قد اكتسب حجية الشيء المقضي به، فانه يبطل بقوة القانون عقد القرض وذلك حماية للمستهلك المقترض. إلا أنه ما يعاب على هذه المادة أن الفقرة الأخير قد قيدتها بشروط تتمثل في أن يكون المورد والمقرض ينتميان إلى نفس المؤسسة، ومنه يمكن القول بان مجال الحماية لازال قاصرا خصوصا في الحالة التي يكون فيها المورد والمقرض لا ينتميان إلى نفس المؤسسة، مما سيؤدي إلى الإضرار بحقوق المستهلك المستضعف المقترض.

المطلب الثاني: تحريك الدعوى المدنية

يجوز للمطالب بالحق المدني سواء كان في شخص المستهلك المتضرر أو في شخص الجامعة الوطنية وجمعيات حماية المستهلك أن يثير الدعوى المدنية أمام القضاء المدني، أو القضاء الزجري في إطار الدعوى المدنية التابعة للمطالبة بالتعويض عن الضرر الذي أصابه من الجريمة المرتكبة من طرف المورد في قانون 08-31. ومن الأهمية بمكان أن نشير أن المطالب بالحق المدني له الخيار بين سلوك الطريق المدني أو الطريق الجنائي للحصول على التعويض المترتب عن الجريمة سواء كان في شخص المتضرر من القروض الاستهلاكية - أي المستهلك-، أو في شخص جمعية حماية المستهلك وعند اختيار هذا الأخير، فإنه يقوم بالتدخل سواء أمام السيد قاضي التحقيق بتقديم شكايته مع الانتصاب كطرف مدني (المادة 157 من قانون 31.08) ، أو بالتدخل أمام القضاء الزجري بعد تحريك الدعوى العمومية من طرف النيابة، أو عن طريق الاستدعاء المباشر أمام قضاء الحكم، ولقبول هذا التدخل والانتصاب كطرف مدني لابد من تحديد بعض الشروط. وعليه، سنتناول التدخل أثناء المحاكمة (الفقرة الثانية) على أن نخصص (الفقرة الأولى) للتدخل قبل المحاكمة.

الفقرة الأولى: التدخل قبل المحاكمة

وإذا كانت المادة 7 من قانون المسطرة الجنائية في فقرتها الثانية أعطت الحق للجمعيات المعلن أنها ذات منفعة عامة أن تنتصب طرفا مدنيا، إذا كانت قد تأسست بصفة قانونية منذ أربع سنوات على الأقل قبل ارتكاب الفعل الجرمي، وذلك في حالة إقامة الدعوى العمومية من قبل النيابة العامة أو الطرف المدني بشأن جريمة تمس مجال اهتمامها المنصوص عليه في قانونها الأساسي.
ولعل أهم الشروط التي يمكن أن تستمد من هذه المادة هي ضرورة توفر الجمعية على صفة المنفعة العامة، وأن تكون أسست بشكل صحيح قبل ارتكاب الفعل الجرمي، وأن يكون هذا الأخير في دائرة اهتمامها المنصوص عليه في النظام الأساسي. والسؤال الذي يثار هل يمكن للجمعيات ذات المنفعة العامة أن تنتصب طرفا ماديا بدون توفر شرط مدة التأسيس المنصوص عليه في قانون المسطرة الجنائية، وكذلك في حالة وجود جمعية ارتكب الفعل الجرمي على مجال اهتمامها لكنها ليس لها صفة المنفعة العامة، فهل يجوز لها رفع دعوى المدنية لصالح المنفعة العامة؟
وبالرجوع إلى الظهير الشريف رقم 1.11.03 صادر في 14 من ربيع الأول 1432 (18 فبراير 2011 بتنفيذ القانون رقم 31.08 القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك في الباب الثاني المتعلق بالدعاوى القضائية المرفوعة من طرف الجامعة الوطنية وجمعيات حماية المستهلك نجد المادة 157 تشير إلى استثناء من المادة 7 من قانون المسطرة الجنائية، يمكن لجمعيات حماية المستهلك المعترف لها بحماية المنفعة العامة أن ترفع دعوى قضائية وأن تتدخل في دعاوى جارية وأن تنصب نفسها طرفا مدنيا أمام قاضي التحقيق، للدفاع عن مصالح المستهلك وتمارس كل الحقوق المخولة للطرف المدني والمتعلقة بالأفعال والتصرفات التي تلحق ضررا بالمصلحة الجماعية للمستهلكين، بل أكثر من ذلك أعطيت حق رفع دعوى المطالبة بالتعويض من الجريمة حتى بالنسبة للجمعية التي لم تحصل على صفة المنفعة العامة لكن شرط حصولها على إذن خاص بالتقاضي من الجهة المختصة (المادة 74 من قانون 31.08).
وهكذا فإن التشريع المغربي، نجده يخول لكل شخص تضرر من جناية أو جنحة أن ينصب نفسه طرفا مدنيا أمام قاضي التحقيق (المادة 92 من قانون المسطرة الجنائية) ، كما أن المادة 83 من قانون المسطرة الجنائية نجدها تنص على إلزامية التحقيق في الجنايات المعاقب عليها بالإعدام أو السحب المؤبد أو التي يصل حدها الأقصى ثلاثين سنة، وكذلك الجنايات المرتكبة من طرف الأحداث، وفي الجنح بنص خاص، ويكون اختيارا فيما عدا ذلك من الجنايات وفي الجنح المرتكبة من طرف الأحداث، وفي الجنح التي يكون الحد الأقصى للعقوبة المقررة لها خمس سنوات. وإذا رجعنا إلى قانون 08-31 المتعلق بتدابير حماية المستهلك نجد بان التحقيق اختياري وليس إلزامي وذلك بصريح نص المادة 157 من نفس القانون.
وتجدر الإشارة أنه يكفي للمستهلك المقترض أن يدعي مدنيا مجرد التصريح بالمطالبة أمام قاضي التحقيق، كما يمكنه أن يقدم مطالبه بمذكرة كتابية، وبعدها يبت قاضي التحقيق في قبول مطالبه بموجب أمر قضائي بعد أن يطلع النيابة العامة على الملف (الفقرة الأخيرة من المادة 94 من قانون المسطرة الجنائية). وفي حالة إذا كانت النيابة العامة هي من حركت الدعوى العمومية، فإن المستهلك المقترض المتدخل كمطالب بالحق المدني أمام قاضي التحقيق لا يكون ملزما بأداء أي مبلغ. والسؤال الذي يثار في هذا الصدد منهم الأشخاص الذين يحق لهم أن ينازعوا في المطالب المدنية التي يقدمها المتضرر أمام قاضي التحقيق؟
وبالرجوع إلى المادة 94 من قانون المسطرة الجنائية نجد أن النيابة العامة، أو المتهم أو أي طرف مدني آخر يحق له أن ينازع في قبول طلبات الطرف المدني. وهو نفس النهج الذي دأب عليه التشريع الفرنسي في المادة 87 الفقرة الثالثة من قانون المسطرة الجنائية الفرنسي.
ومنه يمكن طرح سؤال جوهري هل يمكن للمطالب بالحق المدني أن ينتصب ولأول مرة أمام الغرفة الجنحية الاستئنافية؟ بمعنى هل يحق للمتضرر أن يتدخل أمام الغرفة الجنحية الاستئنافية بعد أن فاته الانتصاب كطرف مدني أمام السيد قاضي التحقيق.
وهنا يرى الأستاذ عمر أبو الطيب أن المطالب بالحق المدني لا توجد له صفة ليظهر أمام الغرفة الجنحية الاستئافية بعد أن فاتته فرصة التدخل أمام قاضي التحقيق، باستثناء في حالة استئناف النيابة العامة وذلك لمساعدتها في تقديم الأدلة والحجج ضد المتهم وذلك لما يقتضيه حسن سير العدالة. ونحن نرى بأن هذا الرأي غير مبني على أساس لأن الحق في المطالبة بالحق المدني يمنح بواسطة نصوص تشريعية، وليس بناء على مصلحة النيابة العامة أو غيرها، بالإضافة إلى أن المتضرر من الجريمة لازال أمامه الانتصاب كطرف مدني أمام القضاء الزجري كما سنبين لاحقا، بل أكثر من ذلك إذا حكمت القضية قبل الانتصاب، فإن المطالب بالحق المدني يحق له اللجوء إلى الطريق الأصلي والطبيعي للمطالبة بالتعويض وهو الطريق المدني.


الفقرة الثانية: التدخل أثناء المحاكمة

إن الدعوى المدنية التابعة تكون لاحقة بالدعوى العمومية، وتكون معها وجودا وعمدا، وبما أن الدعوى العمومية تمر بمجموعة من المراحل ابتداء من النيابة العامة، مرورا على قاضي التحقيق، وصولا إلى قضاء الحكم. والدعوى المدنية أيضا تصل إلى جانب الدعوى العمومية إلى قضاء الحكم، وهنا يحق للمطالب بالحق المدني أن يتدخل إما بالاستدعاء المباشر (ثانيا)، وإما أمام قاضي الحكم (أولا).

أولا: التدخل أمام قضاء الحكم

إن معظم التشريعات تخول الحق للمطالب بالحق المدني – المستهلك  المقترض، أو جمعية حماية المستهلك - ، أن يطالب بالتعويض أمام قضاء الحكم، بسبب الضرر الذي ينتج عن الجريمة، بحيث يحكم القاضي الجنائي في الدعوى العمومية، وبجانبها يبت في التعويضات السالفة الذكر. وللتدخل بعد انعقاد الجلسة ينبغي التمييز حالتين؛ الأولى عند حضور المتهم وتقصد به المورد في قانون 08-31، فإنه يجوز الادعاء شفيا بالمطالب المدنية أما إذا كان المتهم غائبا وجب على القاضي تأجيل الدعوى وإعلان المتهم بصحيفة على يد محضر، وأيضا لابد لقبول هذا التدخل، أن يرفع أمام القضاء الجنائي قبل إقفال باب المرافعة (المادة 251 من قانون الإجراءات الجنائية المصرية)، ولا يقبل تدخل المطالب بالحق المدني إلا أمام محكمة الدرجة الأولى، ولا يقبل لأول مرة أمام محاكم الاستئناف أو النقض وذلك احتراما لمبدأ التقاضي على درجتين.
وبديهي أن توافر شروط قيام الرابطة المدنية أمام القضاء الجنائي بالتبعية للرابطة الجنائية، أمر لابد منه في سبيل قبول الدعوى المدنية أمام المحكمة الجنائية. وعليه، يجوز أن يكون هذا التدخل بشكل شفهي أو كتابي سواء أمام كتابة الضبط أو بين يدي الرئيس ويسجله كاتب الضبط بمحضر الجلسة، لكن إذا تم المطالبة بالحق المدني بمذكرة كتابية، وجب أن تتضمن هذه المذكرة بيانات من شأنها أن تعرف بالمطالب بالحق المدني، والجريمة المترتب عنها الضرر المطلوب التعويض عنه، بالإضافة إلى الأسباب المبررة للطلب، وتعيين المكان المختار الذي يوجد به مقر المحكمة ما لم يكن مستوطنا بدائرة نفوذها، وإلا لا يمكنه أن يحتج بعدم تبليغ الإجراءات إليه.
ومن الأهمية بالمكان، أن نشير إلى أن الأشخاص الذين ليس لهم أهلية ممارسة حقوقهم المدنية، أنهم لا يحق لهم إقامة الدعوى إلا بإذن كتابي من ممثلهم القانوني أو بمساعدته. وأيضا بالنسبة للأشخاص غير المؤهلين بتقديم الطلب بنفسهم بسب مرض عقلي أو بسب قصورهم، ولم يكن لهم ممثل قانوني، فإنه يجوز للمحكمة أن تعين لهم وكيلا خاصا بناء على ملتمس من النيابة العامة.

ثانيا: التدخل بواسطة الاستدعاء المباشر

قبل الخوض في الشروط الواجب توفرها في المطالب بالحق المدني لك يتدخل بواسطة الاستدعاء المباشر، لابد من تحديد معنى الاستدعاء المباشر. لقد اعتبره بعض الفقه، بأنه "إجراء لا يقتصر رفعه على المضرور من الجريمة. أمام القضاء الجنائي، فتتحرك بذلك الدعوى الجنائية، وإنما يعتبر وسيلة متاحة للنيابة العامة أيضا تلجأ إليه في أغلب المخالفات وفي كثير الجنح، حين لا تجد فائدة في إجراء تحقيق ابتدائي في الدعوى الجنائية، فتكفي بمحضر جمع الاستدلالات وترفع الدعوى، استنادا إليه، أمام المحكمة المختصة.
وهناك من عرفها "بأنها أحد طرق رفع الدعوى الجنائية يحق للمضرور من الجريمة أن يدعي مدينا أمام المحكمة الجنائية، فتحرك الدعوى الجنائية تلقائيا تبعا لرفع الدعوى المدنية".
وأهم ما يميز نظام الادعاء المباشر أنه يتخطى مرحلة الاستدلال والتحقيق ويرفع مباشرة إلى قضاء الحكم، أي أنه يتخطى البحث التمهيدي لدى النيابة العامة، والتحقيق الإعدادي لدى قاضي التحقيق ليصل مباشرة إلى هيئة الحكم، ولكي يعتبر هذا الإجراء صحيحا لابد من شروط ينبغي توفرها وهي:
1-أن تكون صاحب الحق في الادعاء المباشر هو المضرور من الجريمة.
2- أن لا يكون فيها تحقيق لا يزال مفتوحا.
3- أن تكون الواقعة جنحة أو مخالفة.
4- ألا يكون قد صدر فيها قرار نهائي بأن لا وجه لإقامة الدعوى.
5- أن تكون الدعوى الجنائية مقبولة.
6- أن تكون الدعوى المدنية جائزة القبول ومرفوعة بإجراءات صحيحة.
ويمكن إجمال هذه الشروط وتقسيمها إلى شروط موضوعية وأخرى شكلية. فتتمثل الشروط الموضوعية في "نوع الجريمة، ووقائعها وعدم حظر استعمال الاستدعاء المباشر، وأن تكون الدعوى العمومية والدعوى المدنية جائزتي القبول، أما الشروط الشكلية فتتمثل في تضمن الاستدعاء عدة بيانات تتعلق بالوقائع وتاريخها والوصف القانوني لها وعقوبتها وتاريخ الجلسة ومكان انعقادها بالإضافة إلى بيانات المطالب بالحق المدني، وهوية الأطراف وعناوينهم واحترام الأجل المحدد قانونا وبيان تاريخ انعقاد الجلسة وفي الأخير تبليغ ذلك إلى المعني بالأمر ورتب جزاءات قانونية على الإخلال بكل هذه الشروط.
ومهما يكن من أمر فإنه تجدر الإشارة أن الجمعيات المنصوص عليه في المادة 7 من قانون المسطرة الجنائية لا يجوز لها أن تنتصب كرف مدني عن طريق الاستدعاء المباشر، لان المشرع المغربي لا يخول لها حق التدخل إلا بعد تحريك الدعوى العمومية من طرف النيابة العامة أو المطالب بالحق المدني، على عكس قانون 08-31 المتعلق بتدابير حماية المستهلك أعطى حق للجمعية أن تنتصب كطرف مدني وان تحرك الدعوى العمومية دون تقيدها بشروط. لكن الإشكال الذي يطرح هل يجوز للمورد أو المتهم أن يرفع دعوى الوشاية الكاذبة المنصوص عليه في الفصل 445 من مجموعة القانون الجنائي؟
وأهم ما يميز إجراء الاستدعاء المباشر أنه ينبغي أداء الرسوم القضائية، ومبلغ الصائر الذي تقدره المحكمة عند الاقتضاء وكذا المبلغ الجزافي المنصوص عليه في المادة 50. مضافا إلى ذلك المبلغ المعد لتسديد مصاريف الخبرة إذا تقرر القيام بهذا الإجراء.
ومهما كان من أمر، فإن المطالب بالحق المدني – المستهلك المقترض - غالبا ما يلتجأ إلى التدخل أمام قضاء الحكم بعد تحريك الدعوى العمومية من طرف النيابة العامة لكونه يقوم بدفع رسم جزافي فقط (المادة 50) من الظهير المنظم للمصاريف القضائية في الميدان الجنائي، والذي تتحد قيمة في 30 درهم بالنسبة للمخالفات و100 درهم بالنسبة للجنح و500 بالنسبة للجنايات. ولعل السبب في كثرة التدخلات بالمطالب بالحقوق المدنية أمام قضاء الحكم بعد تحريك الدعوى العمومية مقارنة مع التدخل أمام قاضي التحقيق أو بواسطة الاستدعاء المباشر، هي كون المطالب بالحق المدني هو الذي يتحمل جميع الخسائر والتي تكون قيمتها غالبا جد مرتفعة.


خاتمة:

وفي الختام لا يسعنا إلا الإشادة ببعض المبادئ المكرسة منذ زمن طويل في قانون الالتزامات والعقود والتي اعتمدها القضاء كأساس مرجعي في بعض العقود المتعلقة بالقروض الاستهلاكية ذات فوائد السعر المرتع والتي أصبح المغرب الآن من خلالها بتوفر على قانون خاص لحماية المستهلك، يتضمن مقتضيات خاصة لحماية المقترض كما سلف البيان أعلاه، ولن تفوتنا الفرصة في هذا الصدد أن نذكر أن القضاء المغربي قبل أن يخرج قانون 08-31 القاضي بتدبير حماية المستهلك إلى حيز الوجود، قد استند في حالات عديدة إلى القواعد العامة، ليعطى نوع من الحماية للمستهلك المقترض، انطلاقا من العقد نفسه، وذلك بالاعتماد على قواعد التأويل، مع الأخذ بعين الاعتبار ظروف التعاقد، حيث نجد أن القضاء قد خرج عن مبدأ سلطان الإرادة ومبدأ العقد شريعة المتعاقدين وغيرها من المبادئ التي لم تعد تلبي العدالة التعاقدية في مجال القروض الاستهلاكية.
ومن الأهمية بمكان أن نشير إلى أن الوقوف على موضوع الحماية القانونية للمستهلك المقترض في إطار القروض الاستهلاكية نقول أن المشرع المغربي قد نجح في إضفاء حماية قانونية معقولة للمقترض – المستهلك- وذلك واضح من خلال الصياغة التشريعية للنصوص المتعلقة بهذا الشق، حيث خصص له حصة الأسد في هذه المنظومة القانونية –قانون 08-31-، لكن بالرغم من ذلك فإنه لازال على المشرع المغربي أن بعيد النضر في بعض النقط التي تعد من الأهمية بمكان فيما يخص استغلال الضعف والجهل لدى المستهلك، حيث عالجه المشرع بنوع من الاحتشام الشديد وذلك في المادة 59 من قانون 08-31، يقل عن الحدود الدنيا التي عالج بها قانون الالتزامات والعقود هذه المواضع منذ ما يناهز القرن من الزمن.
وإذا كنا قد حاولنا قدر الإمكان أن نسلط الضوء على هذا الموضوع – حماية المستهلك المقترض - الذي يعد من الأمية بمكان في هذا العرض المتواضع، ليبقى الدور على رجال القانون، كل في موقع من باحثين و أساتذة ورجال القضاء، قصد العمل المكثف على تفعيل هذه النصوص القانونية و تنزيلها على أرض الواقع تنزيلا سليما. وكما يقول أستاذنا عبد القادر العرعاري على أنه "إذا كان المستهلك ملكا في إطار التشريعات التي قطعت أشواطا بعيدة في مجال حماية المستهلك، فإن هذا الأخير عندنا قد يكون في الوقت الراهن عبدا مملوكا يحتاج لكثير من الوصاية والدعم لرفع مستواه حتى يفهم الحقوق والالتزامات التي يكفلها له القانون رقم 08-31" .











مواضيع مشابهة :

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة ©2013